السبت، 5 أبريل 2014

معيار النجاح الإجتماعي



عزيزي القارئ سلام الله عليك و رحماته و بركاته ^_^ هذا المقال يحتاج إلى خلوة و قراءة متأنية بالعقل و المشاعر .. يحتاج إلى قراءة صادقة!


هل ذهبت يوماً إلى البنك و انتظرت رقمك و تمنيت أن يكون حظك مع موظف بعينه دون غيره؟
هل صادفت يوماً شخصاً متقناً لعمله ماهرأ فيه ولكنه غير محبوب بين زملائه و يتجنبه العُملاء ؟
ألم يلفت نظرك زميل دراسة مجتهد و طيب  ولكن لا يلتف حوله أحد لأنهم ملتفون حول آخر .. ربما يكون  هذا الآخر متوسط دراسياً ولكنه محبوب ؟
هل كان هذا الشخص الودود هو نفس الشخص الذي يحب الجميع أن يحكوا له أمورهم  الخاصة ويحرصون على أخذ  رأيه؟
هل لديك صديق تحكي له ما يؤلمك و تثق أنك حين تنصرف من عنده ستنصرف وأنت في حال أفضل؟
هل جمع أحد البيوت زوجتين لأخيـن .. إحداهما استطاعت كسب الحماة  وأهل الزوج في صفها و الأخرى كانت بعيدة من القلب؟
هل حدث يوماً أنه أُخِذَ عليكَ أنك لا تحسن استقبال ضيفك رغم  نواياك الطيبة تجاهه وحرصك الشديد على إكرامه؟
هل تعرضت يوماً للإتهام بالغرور رغم تواضعك و طيبتك؟ هل تعرضت لأحكام و تصنيفات ظالمة من الآخرين و أسيئ فهمك ؟ لماذا؟

ما يجعلنا نتعرض لهذه المواقف هو افتقادنا بشكل أو بآخر لصفة... العاطفة الذكية .. فنحن مهما كان إمتيازنا الدراسي أو ذكاءنا الذهني فهو لا يفيدنا بشكل مباشر في تفاعلاتنا الإجتماعية ..لأننا لا نتعامل مع الناس بأذهاننا و درجاتنا الدراسية  .. نحن نتعامل بعواطفنا و مشاعرنا  ..

الذكاء العاطفي هو القدرة على التفاعل مع الآخرين و ارضاء إحتياجاتهم النفسية من الشعور بالقبول و المحبة و التقدير  و الإهتمام .. القدرة على التقاط الإشارات العاطفية من الآخرين و تلبيتها من الحاجة للـمواساة و تشجيع و مجاملة و غيرها  ..ذوو الذكاء العاطفي  يفعلون ذلك ولكن ليس على حساب أنفسهم  .. يفعلون ذلك بتوازن و بلا تفريط   .. أي يتمعون بالنضج  قبل كل شئ .. النضج العاطفي و النضج الإنفعالي  .  و هذا النوع من النضج هو ما يجعل أصحابه قادرين على وزن الأمور و رؤيتها بموضوعية  .. يعرفون نتائج أفعالهم جيداً .. و لذلك تجدهم غير متسرعين في ردود أفعالهم ، وهو ما يجعلهم قادرون على ضبط أنفعالاتهم في الغضب و الفرح و تحريك مشاعرهم و تحفيزها عند السأم و لذلك تجدهم  المبادرون بتغيير المناخ المحيط بهم ..  هم مبادرون و ناشرون للسعادة ..

و إذا كان الذكاء العاطفي هو القدرة على إدارة مشاعر الغير فهو بالدرجة الأولى القدرة على التواصل مع المشاعر الشخصية و إدارتها  .. فذوو العاطفة الذكية على تواصل مع مشاعرهم بشكل مستمر .. دواخلهم  مثل كتاب مفتوح أمامهم .. صادقون مع أنفسهم .. واعون جدا لإنفعالاتهم  يعرفون كيف يشعرون و لماذا .. يستطيعون وضع أيديهم بشكل محدد على ما يزعجهم و يسبب لهم الضيق
و اذا كان الشخص على هذه الدرجة من الوعي بالذات فسيكون بشكل طبيعي قادراً على إدارة مشاعره و التصرف معها بشكل حكيم
سيعرف متي يبكي و متى يسامح ومتى يعاتب و كيف يسعد نفسه و كيف يجنب نفسه الألم ( بضمير)  و سيستطيع رؤية الوجه الإيجابي من كل وضع .. و يستطيع تحفيز نفسه .. يستطيع أن يتعامل مع مختلف مشاعره  و لذلك يستطيع أن يشعر بالآخرين في مختلف مواقفهم  و يستطيع توجيههم  و ارضاء مشاعرهم .. فهم متواصلون مع مشاعرهم


و ذوو العاطفة الذكية مؤثرون قادرون على الإقناع لأن الإقناع جزأين جزء منطقي سهل ولكنه يشكل النسبة القليلة من الإقناع و جزء عاطفــي يشكل النسبة الكبيرة  ،  و هم قادرون على إدارة هذه العواطف و توجيهها الى فكرة معينة ..  فهم مؤثرون مقنعون .. و اذا إجتمع لديهم الذكاء اللغوي مع الذكاء العاطفي أصبحوا بلا شك ماهرين في الخطابة و أصحاب حركات إيجابية عظيمة في التاريخ .. .. فهم مؤثرون ومقنعون.


و ذوو العاطفة الذكية يكسبون القلوب لأنهم يتعاملون مع البشر على أنهم قلوب و خواطر ..يسمعون الناس و يحنون على قلوبهم و يشترون خواطرهم فيكسبونهم في صفوفهم .. يجاملونهم بلا نفاق و يقابلونهم بحب و يتركونهم  بحب و يتحدثون بطيب الكلام و ينتقدون اذا لزم الأمر بكل لطف و حب .. فهم منصتون بالدرجة الأولى و هذا ما يجعلهم متعاطفون  و إلا فيم يتعاطفون دون معرفة بما يمر به الآخر و كيف يعرف ما يمر به الآخرون دون أن يترك لهم المجال لـ يتحدثوا عن أنفسهم .. فهم منصتون ( من المفيد أن تبحث عن مهارات الإنصات أو الإستماع الفعال )

 وذوو العاطفة الذكية متواضعون ليسوا بمتكبرين ولا مغرورين لأن الكبر و الغرور يمنع صاحبه من التفاعل العفوي و الطيب مع الآخرين و يمنعه من إعطاء الآخرين تقديرهم .. فهم عظماء يشعون تواضعاً .

ذوو العاطفة  الذكية  لديهم صفات كثيرة متضافرة و كل صفة تقود إلى الأخرى و لكن  كل هذه الصفات تقوم على شئ واحد .. الحُب فهم مُحبون ..و على قدر حبهم يكون ذكاؤهم العاطفي ..  يحبون الله و يحبون الكون بما فيه و يحبون أنفسهم و يتقبلونها و يتسامحون معها ، و هذا الحب المستمر في وجدانهم  هو ما يغذي  تفاعلاتهم الإنسانية أيضا و هو ما يجعلهم قادرين على استيعابك في أي وقت و بحب .. فهم محبون للإطار الكبير بكل ما فيه ..  قلوبهم كبيرة و صدورهم واسعة .. يطلقون الحب بغض النظر عن الشخص الذي أمامهم يستحق الحُب أم لا ..  فهم قناديل حب .


إذن الذكاء العاطفي في عمقه عبارة عن حُب .. ..فعش بالحب تكسب قلوب الآخرين .
و الحب اذا عبرت عنه إجتماعياً فسيكون  : ابتسامة و كلمة طيبة و تسامح و صبر و إحسان و حسن ظن و انصات  و تعاطف و تقدير و اهتمام و دعم نفسي  و مجاملات لطيفة  و مشاركة اهتمامات . وكلها أخلاق و قيم نبوية .. و هي نفسها ما جعلت الموظف محبوب بين الزملاء والعملاء و الطالب محبوب بين زملائه  .. وهي ما جعلت زوجة الإبن مقربة .. و هي ما جعلتك تحكي لصديق دون غيره و هي ما تجعل الضيف يشعر أنه مقبول و محبوب و مرحب به .. وكلها مهارات يمكن إكتسابها .. نطلق عليها  في العلوم الإنسانية مهارات التواصل و ما هي إلا أخلاق  .. فإذا أردت الوصول إلى قلوب الناس فعليك بهذه المهارات ( من المفيد أن تبحث عن مهارات التواصل فما تم ذكره هو غيض من فيض )



أسباب افتقاد هذه المهارات
يفتقد البعض هذه المهارات بسبب تربيته الإنعزالية فلم يتفاعل مع الناس بشكل كافي و لم يتعرض لتجارب الحياة ،   أو تربيته بشكل ضعيف عاطفياً في أسرة تعتبر العاطفة نوع من أنواع الضعف ..
و إكتسابها ممكن و لكنه يحتاج إلى تفاعل مع الآخرين و وعي للنفس أثناء التفاعل و التدرب على مهارات التواصل معهم و الجميل في الأمر أنه ممتع .. ممتع جداً أن تضع ما تتعلمه في الفعل و تقطف ثمرته سواء في الحال أو بعد حين قريب .


من أين نبدأ؟

إذا كان الذكاء الوجداني هو فهم الذات و فهم الآخرين
فهذا ما يساعدك على فهم ذاتك و التواصل مع مشاعرك وإدارتها

معرفة النفس و الصدق مع النفس ( قد تساعدك أسئلة محاضرة رتب حياتك ) ..هو حجر الزاوية
 في مختلف المواقف والأوقات .. إسأل نفسك دائماً بم أشعر و لماذا؟
اسأل نفسك كيف أتصرف بطريقة حكيمة مع مشاعري ..
- لاحظ أكثر الناس ذكاءً عاطفياً و نجاحاً إجتماعياً و ثراء وجدانيا من حولك .. و راقب تصرفاته واكتسب منه.
- الحب

مع الآخرين

استمع جيداً
حاول أن تضع نفسك مكانه و تنظر من منظوره و تشعر بمشاعره
تعاطف معه و أشعره أنك تشعر به ..
حاول أن " تطبطب " على مشاعره و خاطره .. و تحدثه حديثاً يجبر خاطره أو يعيد حماسه أو على حسب الحالة و الموقف .
لا تنس استخدام نبرة الصوت التعاطفية الحانية.
و لكل موقف طريقة تعامل ذكية ..

في الأطفال
حاول باستمرار أن تسأل طفلك بماذا تشعر .. و لماذا .. و ساعده بإعطاؤه بعض الكلمات مثل الغيرة الغضب .. الفرح .. الإثارة و التشوق ..
إذا أغضب أحدهم قل له أنظر كيف جعلته حزيناً .. ماذا لو فعل معك ما فعلته معه كيف ستشعر؟ .. إذهب لمصالحته.
بهذه الطريقة ننمي الذكاء العاطفي عند الأطفال


الذكاء العاطفي في القرآن و السنة

إمتدح القرآن الكريم و المنهج القويم  الذكاء الوجداني في سيد البشر فقال . فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ..

وقال ( في التعامل مع العلاقات المشحونة بالمناخ العدائي ) .. 
ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
وقال
وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ


وقال
( في التعامل مع الجاهلين )  .. وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا.

و غيرها الكثير جدا من الآيات

أما عن السيرة النبوية فهي مشحونة في كل تفاصيلها بالذكاء الوجداني و العاطفي و الإجتماعي .
ولا يسعنا ذكر مواقفها الآن منعاً للإستطالة .. ولكن أوصيك  أن تبحث عن جانب الذكاء العاطفي و الإجتماعي في أول موقف من السيرة النبوية يمر عليك .



أترككم الآن تعاهدون أنفسكم على إكتساب هذه المهارة
و إلى لقاء جديد في مقال جديد ^_^


بقلم شيماء فؤاد


.









هناك تعليقان (2):